كتاب ومقالات...
أفياء
د. عزيزة المانع البكاء على الحب
لو حلل كل منا ذاته لاكتشف في داخلها طفلاً صغيراً يتربص القفز للظهور كلما حانت له فرصة. نحن مهما كبرنا ونظرنا إلى أنفسنا كأقوياء مستقلين، نظل في أعماقنا نبحث عن دفء الحب ونتطلع دائماً إلى حنان يطوقنا، فأن يكون الإنسان محباً ومحبوباً هو شعور غريزي في البشر والاستجابة له تعد نوعاً من تلبية الحاجات الضرورية في حياة الإنسان. إلا أن هناك من ينظر إلى عاطفة الحب كما لو أنها دلالة على الضعف، وأن الأقوياء لا ينبغي أن تلين قلوبهم أو تخفق بتلك العاطفة.
يقول أحد أمراء بني أمية عن نفسه مفتخراً: «إنه لم يحب أحداً قط، ولا أسف على إلف بان منه»، ومما يروى عن عمر بن الخطاب أنه قال لأبي مريم السلولي: «والله لا أحبك حتى تحب الأرض الدم، قال: فتمنعني لذلك حقاً؟ قال: لا، قال: فلا ضير، إنما يبكي على الحب النساء».
من الواضح أن هذا الفخر بعدم المبالاة بمشاعر الحب هو تعبير عن النظرة المزدرية للحب، نظرة لا ترى في الحب سوى أنه من الضعف الذي لا ينبغي للأقوياء أو العقلاء أن يصابوا به ويخضعوا لتوجيهاته. لكن طه حسين له رأي مختلف في الضعف البشري فهو يعده «أنبل ما في الناس لأنه يدعو إلى الرحمة والإحسان ويثير العطف والإشفاق ويحقق بين البشر التضامن، ولو خلي بين عقولنا وحدها وبين الحياة لأصبحت حياتنا مجدبة لا خفض فيها ولا لين، ولا راحة ولا روح، فنحن نرتفع بالشقاء والسعادة فنصبح أناساً لا نفكر فحسب بل نشعر ونقدر ما نشعر به، نألم ونلذ ونقدر طبيعة الألم واللذة».
إن ازدراء العواطف واتهامها بالبعد عن الصواب هو من الضلال، فالعواطف هي أنس ورحمة، كما أن العقل هدى ونور، ولا تسير الحياة بواحد منهما فقط، وكما أن العقل تميز خاص بالإنسان فإن العواطف هي كذلك مما تميز به الإنسان وحده، فالحيوان لا يملك من المشاعر والانفعالات ما يملكه البشر، ولكن الناس اعتادوا فيما اعتادوه الاستخفاف بالعاطفة والاعتداد بالعقل وحده، فتجاوزوا الحق في فهم الطبيعة الإنسانية التي لا تستقيم إلا بوجود الاثنين معاً