"مستحيل... مستحيل أن أبكي أمام خطيبتي" قالها عمر (مهندس معماري) قبل أن يسمع السؤال كاملا ونظر إلى صديقه ضاحكا "تصور أن أبكي أمامها... هزلت"،
لكنه تابع متنهدا" أحسد الفتيات لقدرتهن على البكاء، أتمنى في أحيان كثيرة لو أن لي تلك المقدرة... أذكر أني بكيت مرتين فقط: عندما توفي عمي، وعندما رسبت في السنة الجامعية الثانية".
هل كان يدرك أبو فراس الحمداني القائل قبل أكثر من 1050 عاما "وأذللت دمعا من خلائقه الكبر"، أن "كبرياء الدموع" قد تبقىٍ إحدى ميزات شخصية "الرجل الشرقي" في أيامنا هذه، وتثير رؤية تلك الدموع استغراب كثير من الناس، في حين قد لا يتوقف آخرون عند هذا الموضوع مطولا.
الشخص العزيز وحده قادر على إبكائي!
جاء صوت يامن محمد (27 عاما)عبر الهاتف حزينا وهو يجيب: "الشخص ذو المنزلة
العالية بالنسبة إلي، وحده قادر على إبكائي خاصة عندما أشعر بالعجز عن الدفاع عن نفسي أمامه" ويتابع يامن "البكاء أمر لازمني منذ الطفولة، ورغم نظرة المجتمع السلبية واستهزائه بالشاب الذي يبكي ووصفه له بأنه "كالبنات" إلا أني أعتقد أن هذا المجتمع يحترم قدرة الرجل على البكاء لاعتقاده أن الرجل لا يبكي إلا لسبب عظيم فكما يقال "دمعة الرجل صعبة".
أما زهير دالاتي (20 عاما، طالب حقوق) يتذكر أنه بكى مرة أمام الناس عندما رسب صديقه في امتحان البكالوريا، ويقول مستدركا كمن يتذكر موقفا أحرجه "لكني ندمت بعد ذلك".
"نعم ابكي" يقولها عاصم الجرادات (طالب إعلام) "لكن فقط أمام الناس الذين أعزهم، فالناس يعتبرون من لا يبكي قويا، أما أنا فأعد البكاء كأي حادث فعندما يجرح الشخص ينزف دما أو دموعا، والبكاء راحة وقدرة على التعبير عن الرأي، لكن البكاء أمام الناس غير مستحب بالنسبة لي".
بعد أن أشعل سيكارته، قال وسيم إبراهيم (صحفي) مبتسما "طبعا أبكي... في حدا ما بيبكي؟! لا أتذكر آخر مرة بكيت فيها... لكن زمان كان الدمع مدرار".
ويتابع "المجتمع يتعاطف مع دموع الرجل حتى ولو أظهر البعض استهجانا أو سخرية منه، فالبكاء حالة وجدانية ذاتية وتلائم حالة الوحدة، لكني قد أبكي أمام فتاة تعز على كثيرا، وقد أناقض نفسي حين أقول، لا أفضل البكاء أمام شخص كان سببا في إبكائي حتى لا يعتبر نوعا من الاستجداء أو الاسترضاء، لكن ليس المهم البكاء بل أثره، وأحيانا كثيرة يفرض عليك موقفا إنسانيا غير نمطي، البكاء".
هن... ماذا يقلن؟؟
"المرأة الوحيدة التي يمكن أن يظهر الرجل ضعفه أمامها هي أمه، لأنه لا يعتبره هنا ضعفا بل لجوءا" وتابعت ليال خليل (طالبة عمارة) بكثير من الحماسة" الرجل القوي بنظري هو رجل بكل معنى الكلمة، ودمعة هذا الرجل صعب رؤيتها، لكن عند رؤيتها يكون تأثيرها قويا "ولا انهيار جبل".
تصمت ليال لثوان لتضيف "الرجل بالنسبة لي موقف، وعندما يتأثر شاب ما بسببي وأرى بريق دمعة مكبوتة ترفض الظهور، بسبب عزة نفسه، هذا ما أحترمه بالرجل لأنه تأثر بهذا الموقف ولأنه حساس وذو مشاعر عزيزة عليه، فأنا لا أفضل (الرجل الحجر).
ومعروف أن الرجل نادرا ما يظهر ضعفه أمام الجنس الآخر، فهو قد يبكي لساعات بينه وبين نفسه لكنه يحول ضعفه قوة أمام الجنس اللطيف".
ولادة خربوطلي (27 عاما) تعتبر الرجل الذي يبكي "حنونا ذو قلب طيب"، مفسرة "الرجل لا يبكي إلا في المناسبات"، أي أنه قليلا ما يبكي وهي إما دموع حزن أو فرح وفي كلتا الحالتين لا بد أن يكون الموقف مؤثرا ومهما بالنسبة إليه حتى يبكي".
أما راما سليمان (20 عاما، طالبة اقتصاد) تنظر إلى الرجل الذي يبكي "نظرة تعاطف" وتعلق "بكاء الرجل أمر طبيعي، لكن من الصعب أن يبكي لأنه يكبت دموعه طويلا ويكابر، لذلك عندما يبكي فهذا يعني أنه مجروح كثيرا".
نظرة علم الاجتماع إلى دموع الرجال...
الدكتور بلال عرابي (أخصائي علم اجتماع) يرى أن دموع الرجل غالية عليه، لذلك لا تبكيه إلا الشؤون التي تمسه شخصيا فهو قد يبكي لظروف قاهرة تمس كرامته أو عقدة ما يعاني منها، وهذا الموضوع يرتبط بتركيبة شخصية كل رجل.
ويضيف د.عرابي "معروف أن المرأة تعتبر صاحبة الدموع لتغطي أخطاءها فسلاح المرأة دموعها، بينما يتعرض كثير من الرجال لضغوط كبيرة لكنهم لا يبكون إلا إذا كان الضغط غير عادي، وعادة يبكي الرجال وحدهم بعيدا عن الناس، ويعتبرون الأم الملجأ الوحيد لهم".
ويتابع "الرجل الشرقي مطالب أن يكون ذو شخصية قوية لذا، فهو يحاول ألا يظهر ضعفه لكن بعض المواقف تستدعي ذلك كالشيخ الذي يبكي أمام الناس ليظهر خشوعه".