تمثل مشاعر الكراهية ـ بالنسبة للكثيرين منا ـ الوجه المناقض والمعاكس لمشاعر الحب... إلا أن إمعان النظر والتدقيق في هذين الشعورين يكشف عن حالة التقارب العجيب والتشابه الفريد التي تجمع بينهما، بشكل يكاد يجعل منهما وجهين لعملة واحدة
.
فكلا الشعورين غرست بذوره في أعماقنا بحكم الفطرة التي فطر الله الناس عليها.. فباتت تلك الغراس (الباعثة لعواطف الحب وأحاسيس الكره) جزءا من تركيبتنا النفسية التي لا نملك نزعها منا... ولا نستطيع أن نستغني عنها... فضلا عن أن كلا منهما يعتبر من المحركات الأساسية والدوافع الرئيسية لكثير من الأعمال والأنشطة التي نقوم بها
.
أما التناقض بين الشعورين فهو لا يوحي بالتباعدإلا بقدر ما يؤدي إلى التقارب بينهما... وهذه من المفارقات... لأن حملنا لأحد الشعورين يعني حتما وبالضرورة حملنا للشعور الآخر (المناقض له) وذلك بالتزامن معه وفي ذات الموضوع وبنفس القدر والمقدار لكل منهما، وعلى سبيل المثال: فإن حب العدالة يقابله في الجانب الآخر بغض الظلم... ومن هنا يصح القول أن هذين الشعورين يخلقان في ذات اللحظة، كما أن نمو أحدهما يستتبع تلقائيا نمو الآخر جنبا إلى جنب معه، وبقدر ما تكون قوته تكون قوة قرينه... ولكنهما يختلفان في طريقة تعبير كل منهما عن نفسه
.
إلا أن أهم وأخطر أوجه الشبه بين هذين الشعورين هو الأثر الذي قد يخلفه أي منها على النفس والعقل... لأن هذه المشاعر متى تغلغلت إلى النفس سعت إلى التمكن منها فتبدأ أولا بإشباع القلب ثم بإغراقه فيها، لتتمكن بعد ذلك من بسط نفوذها على العقل، فتطغى عليه، ولا تنتهي منه حتى تتحقق لها السيطرة بتغيبه تماما فلا تقوم له قائمة... فتصير من بعد ذلك هي الأمر الناهي والمحرك (الأوحد) للإنسان، وتكون معاييرها المستلهمة من (هوى) القلب هي المسطرة التي يقاس عليها قراره أو مواقفه أو حكمه على الأشياء
.
لا شك بأننا جميعا بحاجة ماسة وضرورية إلى المشاعر التي نشبع بها حاجتنا الإنسانية وذلك انسجاما مع طبيعتنا البشرية... إلا أنه من الواجب علينا أن نحرص كل الحرص على تهذيب هذه المشاعر بالعقل القادر على الإمساك بزمامها وتوجيهها الوجهه الصحيح... لتكون تلك المشاعر هي المنقادة له وليست المهيمنة عليه... فالعقل هو الضامن الوحيد لكبح جماحها... ولا سبيل لحفظ نبل المشاعر ورقي الأحاسيس إلا بحفظ العقول وتقويتا حتى لا تكون فريسة سهلة لطغيان (ما لم يهذب) من مشاعرنا... فهل نحن فاعلون؟